ذات مطر كان يشغل كل تفكيري بأننا نحن البشر لا ولن نقدر قيمة الأشخاص والأشياء حتى نفقدها, ولمست إن العلاقات والصداقات التي يتحكم فيها مزاج المطر لا تدوم, وإن أصحاب القلوب الحاقدة لا يستحقون احترامي, ورغم كل هذا العمر المديد ما زال يدهشني المطر بأسراره وغموضه وخيراته,
صباحك قطرات مطر أتت لتنير صفحة أمواجي وتداعب طيور صباحي , رفعت عيني للسماء فلم أقاوم روعة السحب والغيوم, ويالها من سحب جميلة تغطي السماء بلونها الفضي, لعلني أتصور من شدة جمالها أن أتحد بها وأذوب معها نشوة مفعمة.
أفتح مقالي برذاذ وهطول, وهذا ما يوحي بالمطر ولكن أي رذاذ أي إحساس مرهف هنا, ولا بأس لو حللت على شاطئ صفحتي لأجد قيلولة عند حروفي الإنسانية, التي أبت إلا أن تكون بيضاء لكل القراء, أعشق المطر ورائحته وأختبئ عن قطراته واكتفي بالنظر, وهي تولد تلك القطرات بين السحب وتموت بين التراب, وأنا أقول عنه أجمل من العطر فأعتبرها إحدى ترانيم المطر.
لا أملك الكلمات التي تصف المشاعر التي تجتاحني , سأتجرد من الكلمات وسأغوص في عالم المعاجم والقواميس بحثا عن حروف تصف حكايتي , عفوا عندما يجول بخاطري شيئ أرغب أن أبوح باعترافي الخجول به حتى وإن الغير لا يدرك مغزى بوحي,فأنحنائي ليس معناه إنكساري كما يفسرها البعض, أجازف بصرخات مبللة بالمطر ولكنني شامخة بجبروت كبريائي الباذخ, وعندما تتناثر قطرات المطر بهدوء هامسة في آذاننا وبصوت هادئ أيضا قائلة تفاءلوا.
بعيدة عن القطيف تلك التي أعتبرها طريقا إلى السماء, نعم القطيف وجدتها تلمع في سماء السحر والخيال بثوب الطهر والنقاء, الواعدة بمزيد من المطر وكإن لا يكفيني كل ما كان من بلل, حيث أنفاسي ينخرها برق ورعد ويسكنها مطر وعطر.
هل أدخل في إطار الشتاء والمطر لأرى الغيوم والضباب, ولأن قلبي المرتجف يستشعر كائنات الكون حيث الجمال فوق السحاب حيث تسكن الملائكة دون حزن, ولإن فصل الشتاء يتصالح مع الكون, ويجمع الناس على قلب واحد حيث الطهر فيجعلني المطر ملائكية التفكير وقت سقوطه, نعم إن حقك موجود في السماء كل ما عليك أن تسعي إلى السماء فالسماء تحب من يسعى إليها.
في ساعة متأخرة من الليل شعرت بشئ يتسرب داخل فمي, ورفعت رأسي لأبتلع قطرات الماء فإذا حكاية خاصة تقفز إلى ذاكرتي, تأملت والبرد يحويني حملقت فيها قليلا ثم تلوت بعض الدعاء وأغمضت عيناي على أمنية طلبتها ذات مطر, ولقد تحققت نبوؤتي وإذا ألمحها الآن مغطاة بالمطر تنتظرني ,و لتهبك يا عزيزي القاريء الحياة كل جمال الروح, وليكن لك ما تشاء من مطر ولا بأس برشة عطر.
لندن والمطر وأنا هنا ثلاثي حب متناغم وتلاحم عشق وشوق , وللمطر هنا معي حكاية فأنا لا أنظر للسماء وهي غائمة بأحاسيس متبلدة, بل يحولني الحب إلى عالمة أرصاد, أراقب كل غيمة وغيمة وأرقب السحاب تلو السحاب, تتراقص مشاعري مع إيقاعات حبيبات المطر حروفي, تكاد أن تكون لأحدكم ومن يقرأني ليقرأ تفاصيل حكايتي , فلا تستغرب ربما تكون المقصود أنت هنا.
لندن بللها الغيث فهل عندنا مطر بالقطيف؟ بل هل زارنا شوق المطر لتهب رائحة الصفاء وتنتعش الروح فجمال المطر لا يضاهيه جمال, في داخلي فضول وفصول والمطر يعانق صدري, وأنا أتوشح بشلال الماء وأغتسل بقوس قزح الألوان على روحي, وارتجف قلبي نشوة,نعم بغتتني رجفة شوق أتراني متهيئة للعديد من حالات المطر ليتخللنا بإتجاه الأرض, لعل المطر يتحمل مقالي هذا فعذرا ودمت مطرا.
ذات صباح شتائي لندني, اقترب من نافذة الفندق لأراقب خيوط المطر وهي تنساب على سطح نافذتي الزجاجي, محدثا صوتا جميلا وشكل أروع لنافذة امتزج فيها بخار تنفسي بقطرات المطر, وإن لمحت شمس الشتاء تستيقظ متأخرة وتأتي على استحياء لتعطي مساحة من الدفء والضوء والحلم, وحتى الشمس ذاتها تنام مبكرة في مطر الشتاء هنا ويطول الليل ويسهر العشاق, وفي المساء تلك النجوم الهادئة تزين بداخلي السماء, وللمطر حكاية بل همزة وصل بين السماء والأرض حيث البارحة تعانقت فيها السحب وأمطرت السماء.
تصحو لندن وتتثاءب وأنا أرتدي عبائتي الداكنة وأتمشى في الهايد بارك, ولا أدري كيف أقف عند نافذتي وأنظر لنهر التايمز, وأتناول خبز الصباح مع القهوة وأترك البكادللي للسواح غيري, وبين شارع أكسفورد والمحلات أتأمل العرب مجموعة تتلو مجموعة تلهث وراء التسوق رغم غزارة المطر, تزورني لندن في المساء لأعود إلى الفندق, وأتابع أخبار العالم من البي بي سي وبعدها في منتصف الليل, أسمع دقات قلب بيج بن تقول لي تصبحي على خير.
زارني طيف ذات مساء أو الأحرى ذات ليل فقد كان الوقت متأخرا وهنا لن يكون جديدا القول إن ذلك الطيف قد أصابني بذات الدهشة وبذات الحس الطفولي. صدقني يا عزيزي القاريء إن مطر هذا المساء يشبهك , فالمطر يغسل القلوب والنفوس, ولا يزال يغسلني بالبياض هذه اللحظة, ويسرقني من كل تفاصيل الحياة من حولي, فالمطر يرسل دموعه المنهمرة على جبين الأرض, وأنا خلف ستارتي أسترق النظر وأترقب أن تقذفني غيمة ماطرة على كتفي.
المطر هو الوحيد الذي أعادني إلى طفولتي التي سلبها الكبر! لأعود إلى سنوات مضت حين يأتي المطر, أعشق لحظات هطوله استمتع بالوقوف تحته مبللة دون حواجز, وأتذكر صوت والدتي حفظها الله وهي تنهرني لأزيل المطر من البيت, قبل ذهابي لمدرستي وكنت لا أكره المطر, بل كنت أثناء تنظيفي البيت أرقص حافية القدمين وتصيب قطرات المطر كل ملامحي, وليت المطر يجمعنا الآن لعله يطهر نفوسنا.
ذات مطر كان يشغل كل تفكيري بأننا نحن البشر لا ولن نقدر قيمة الأشخاص والأشياء حتى نفقدها, ولمست إن العلاقات والصداقات التي يتحكم فيها مزاج المطر لا تدوم, وإن أصحاب القلوب الحاقدة لا يستحقون احترامي, ورغم كل هذا العمر المديد ما زال يدهشني المطر بأسراره وغموضه وخيراته, وما إن تبدأ قطراته حتى أبد أ في الاستغراق بشعور عجيب, حيث لا أحتاج شيئا اليوم سوى مطر أركض تحته بسعادة .
لأعتبر قطرات المطر رسالة خاصة مني فالمطر هو ساحتي الحرة نعم إنه سر عجيب لا أجد له تفسيرا حيث لا أعرف سر عشقي الذي احمله للمطر وهل هناك أجمل من المطر؟؟ وهنا رسالة إلى من بلل المطر قلبها بفرح قائلة: ارتويني همس وإحساس أنت وردة تحتاج لمطر, فالمطر يبلل العطر حيث كان المطر إحساس تغلغل بداخلي شعور من وهج المطر, لا أحد هنا إلا المطر والعطر, لقد شكرتها لعدم كبريائها حيث تمارس التواضع هناك وجدانا وهنا حسدا, وهذه ليست كذبة بل مصادقة مع القدر عفوا أعني مصالحة, التي صقلت جزءا جديدا من دهشتي, سماؤنا مازالت مسكونة بالسحاب بياض مستوطن فضاءها الأزرق.
وعندما توقف المطر تمنيت أن لا يتوقف لنكمل معا الحديث, ولكني عندها عرفت معنى الحب, وبعد إن خف تساقط المطر ذهبت لأنام ولأغسل قلبي من كل شيء ضد من أحب مثل المطر, ياإلهي نعمة ربي تتساقط من سمائك هطول مطرا, إلهي آتني بمطر يغسل أحزاني, ياإلهي أمطر من سماء القطيف مطر سعادة وفرح, ربي أستغفرك بعدد زخات المطر منذ بداية خلق الدنيا حتى نهايتها, اليوم أريد النوم مبتلة بغيثك سعيدة حيث وصلت إلى أرضي بسلام وقد استقبلني المطر.
سيكون مرورك مطرا معطرا, بتلك الحبات الشفافة الساقطة من جيد السماء, كأنها تبوح بحديث خفي للعصافير التي تغرد بعد المطر, وكأنها تحتفي به ولا أود أن أنتهي من الحديث عن المطر, وهو من يربطني به علاقة عشق قديمة, لقد غرقت بقطرات المطر وبحكايتي التي قد لا تنتهي وتبقى الحكايات في الحب كالأرض والمطر, فلنتزود بما نشاء بعضا من المطر وببعض الفرح والسعادة.
تقبلوا حضوري بين رذاذ المطر وهطوله, ولتستيقظ ورود الذكريات مترعة بالجمال, حيث لا أحد هنا إلا المطر وقد فاح العطر وسيبقى هناك مع المطر مساحة لفنجان قهوتي
بنت القطيف:
غالية محروس المحروس.
آلا تعرفي سر عشقك للمطر يالغالية ؟؟!!
لانك قطرة من قطرات المطر التى اينما تقع
تنمو ورود بروائح عطره واشجار بثمارها الذيذة
وتغدي كل من حولها وتدخل على قلوبهم
السعادة بعطر أزهارها