تمضي الاستاذة غالية المحروس سبع ساعات يومياً في تدريس اللغة الإنكليزية. هي ليست معلمة في إحدى مدارس البنات التي يناهز عددها الـ12 ألف مدرسة. ولكنها «متطوعة» لتدريس هذه اللغة التي ترتبط معها بعلاقة «خاصة».
القطيف - شادن الحايك
تقاعدت المحروس قبل أربع سنوات من شركة أرامكو السعودية، بعد نحو ربع قرن من العمل فيها، فقررت ان تقدم دروساً في اللغة الإنكليزية لبنات مجتمعها، وبخاصة من يعملن في قطاع التعليم، أو الموظفات، وغالبيتهن جامعيات، ولكنهن لم يتعلمن هذه اللغة كما يجب، فيلتحقن بدوراتها ليتعلمن الإنكليزية من خلال محاضرات أو ورش عمل تناقش محاضراتها مواضيع إنسانية واجتماعية. وتقول: «أحاول أن أفاجئ طالباتي بمواضيع متنوعة، فتارة تكون عن الصلاة والإسلام والجنة، وأخرى عن الحب والسعادة والثقة والألم واحترام الذات وكيفية التعامل مع الآخرين، وكل ما يمكن للطالبة استيعابه وتداوله ومناقشته في شكل حواري جميل».
وتقيم غالية ثلاث دورات يومياً من دون مقابل. ويبلغ عدد طالباتها في الفترتين الصباحية والمسائية نحو 80 طالبة، يتلقين دروساً في اللغة في منزلها، الذي حولته بمساعدة زوجها إلى «معهد تعليم» ولكن «من دون مقابل، فزوجي وأنا نسعى لخدمة مجتمعنا، من خلال هذا المشروع المجاني»، مشيرة إلى دور زوجها، (وهو الآخر متقاعد)، في مشروعها «فهو يناقشني في المواضيع التي ألقيها قبل طرحها، كما يساعدني في طباعة ونسخ ما أكتبه من دروس، أرى أنها تخدم فكر وذوق وحاجة مجتمعي».
ولا تكتفي المحروس بدروس المنزل، إذ تقدم دورات في اللغة في المستشفيات، ودار القرآن الكريم، والجمعيات الخيرية، وتجد «حرجاً كبيراً، لعدم تمكنيّ من استيعاب جميع الطلبات التي تردني للالتحاق بالدورات، نظراً إلى ضيق الوقت، إذ تتسابق الجهات في طلب إقامة الدورات»، وهي تقدم حالياً دورة في اللغة الإنكليزية لطبيبات وممرضات في أحد المستشفيات، ويبلغ عدد الملتحقات بالدورة 40 دارسة.
تتمنى غالية «شطب كل حرف تعلمته من اللغة الإنكليزية في مراحل الدراسة المختلفة»، فهي تعتبر طريقة التدريس المتبعة حالياً في المدارس «لا تخدم الطالبة أبداً»، وحتى الترجمة تعتبر أنها «ذوق وأدب، وفي مدارسنا لا تجد الطالبة حريتها في التحرر من صوغها بهذه الطريقة»، إذ لا بد من ان تنسخ المفردات في شكل آلي»، مستغربة من «اللجوء إلى هذا الأسلوب، فالترجمة تخضع في كثير من جوانبها وعلومها إلى اجتهادات وآراء، وقد تختلف مفاهيم وأذواق أصحابها، خصوصاً ان للترجمة أنواعاً، فهناك الحرفية، والمعنوية، والتفسيرية، والإلهامية».
وعلى رغم ذلك، ترفض انتقاد مدرسات اللغة والطالبات لعدم تمكنهن من مزاولة اللغة في شكل صحيح، فهي تمنحهن «صك براءة»، ولكنها تنتقد «نوعية المنهج الدراسي، وطريقة إعداده»، وترى أنه «لا يخدم حاجة الطالبة، فكثير من المفردات لن تتمكن من استخدامها خارج المدرسة، لعدم أهميتها، لذا أحاول في دروسي اختيار المفردات الاجتماعية والإنسانية التي تستخدم في شكل واسع ودائم».
كما ترى ان العملية التعليمية «تقوم على ثلاث ركائز أساسية: معلم ومتعلم ومادة علم (اللغة)»، مستدركة ان «تعليم الإنكليزية أصبح يقيم وزناً لأنشطة المعلم، لأنه الطرف الوحيد القادر على تحديد الأهداف المطلوبة لطالبي اللغة، وفي إمكانه التحرر من قيود ومناهج جبرية، ومن خلال ذلك يساعد الطالب في تحقيق الاستجابة لحاجاته ومطالبه اللغوية، واستعداده لممارسة اللغة على أصولها». وتأخذ على تعليم الإنكليزية في المدارس «اعتماد طريقة القواعد وحدة، ومحوراً للتدريس وأصبحت مادة التدريس تعرض وتشرح على صور جملة بعد أخرى، وهذا يؤدي إلى محدودية استخدامها»، مضيفة: «أثناء تعليم قواعد اللغة يفترض الابتعاد عن الأسلوب المباشر، بل تقديم صورة ضمنية غير مباشرة، تُيسّر على المتعلم استخدامها من دون تركيز على حفظ القاعدة، أو ترجمتها، ومن ثم اعتمادها قياساً لغوياً، ما يمنح الطالب فرصة سماع اللغة، والتحدث بها، والتعايش معها، كنمط لغوي من أنماط الحياة».
وتعتقد ان طريقة التدريس هي «جملة وسائل وطرق، نصل من خلالها إلى غايات تربوية رائعة، وعملية التدريس الناجحة كفيلة بتزويد الطالب بخبرات متنوعة، تسهم في بناء شخصيته، وتقويم سلوكه، ومنهج حياته، وتكون مهيأة لبناء قناعات نفسية وعقلية، تعزز الدافع لدى المتعلم، وتحدد خطوات كل منها إلى هدفه، فترسم للمدرس مهنته، وللمتعلم حاجاته، لأن غياب الأهداف في طريقة التدريس تحولها إلى ما يشبه العملية الآلية، المصابة بالخلل، وتفقدها القدرة على رسم اتجاه تعليمي هادف».
وتتمنى غالية المحروس من المسؤولين في وزارة التربية ان «يكون هناك جهد إضافي لتحسين وتطوير وتغيير أسلوب مناهج اللغة الانكليزية في المدارس، لتحقيق نتائج أفضل».